محاولة فهم وتفسير ظاهرة إشعاع الجسم الأسود كانت قد خلقت الكثير من المشاكل لدى الكثير من علماء الفيزياء وذلك بسبب عدم تناسق النماذج النظرية التي تم تقديمها مع الملاحظة والنتائج التجريبية، على رأس هؤلاء العلماء كان رايلي-جينس وكذلك فيين، النماذج التي قدمها كل منهما لم تكن تفسر بشكل كامل إشعاع الجسم الأسود، بحيث أن هذه النماذج النظرية لم تكن تقدم حلول تتفق بشكل كامل مع جميع الأطوال الموجية، فمثلا قانون رايلي-جينس كان يفسر الظاهرة بشكل مذهل في الأطوال الموجية الكبيرة لكن فيما يتعلق بالأطوال الموجية القصيرة (الأشعة الفوق بنفسجية) كان يعطي طاقة لا نهائية، لكن تجريبياً لم تكن هناك أي طاقة لا نهائية، وهذا ما أطلق عليه إسم الكارثة فوق البنفسجية، أما قانون فيين كان يقوم بعكس قانون رايلي بحيث أنه كان يفسر بشكل جيد الإشعاع في الأطوال الموجية القصيرة لكنه كان يفشل في الأطوال الموجية الكبيرة (الأشعة تحت الحمراء).
اعتمدت هذه النماذج التي قدمها كل من رايلي-جينس وفيين على الفيزياء الكلاسيكية والكهرومغناطيسية وكذلك الفيزياء الإحصائية، وبعد كل هذه المحاولات التي كانت تقدم حلول لكنها غير مكتملة، جاء ماكس بلانك محاولا هو الآخر تفسير هذه الظاهرة، فقام بوضع افتراض إضافي على الشكل التالي: افترض أن التبادلات الطاقية التي تتم بين المادة والإشعاع الكهرومغناطيسي يتم بطريقة مكممة ومتقطعة وليس بطريقة متصلة كما فعل الذين سبقوه في تفسير هذه الظاهرة، كما أنه افترض أن هذه التبادلات الطاقية تتناسب طردياُ مع تردد كل إشعاع ولهذا وضع ماكس بلانك العلاقة التالية:
∆E(n) = E₂(n) – E₁(n) = n.h.f
وهذه العلاقة لا تعني أن طاقة الضوء أو الموجات الكهرومغناطيسية مُكممة وإنما فقط التبادلات التي تتم بين إشعاع الجسم الأسود والمادة هي التي تتم بطريقة مُكممة. وبعد أن صاغ ماكس بلانك نموذجه بناء على هذا الافتراض، خرج بنموذج نظري شامل يُفسر بشكل رائع إشعاع الجسم الأسود عند جميع الأطوال الموجية صغيرها وكبيرها، كما أنه يتوافق بشكل دقيق مع النتائج التجريبية، وبذلك أسدل الستار على ظاهرة فيزيائية لطالما أرهقت العديد من العلماء دون نتائج مرضية وجعلتهم يشككون في القوانين الفيزياء الكلاسيكية والكهرومغناطيسية.
لكن في الجهة المقابلة كانت هناك ظاهرة أخرى جديدة تسمى بالظاهرة الكهروضوئية كانت لا تزال عالقة ولم يستطع العلماء تفسيرها هي الأخرى.
سوف تُفسر هذه الظاهرة فيما بعد على يد العبقري أينشتاين بحيث قدم فكرة عبقرية لا تقل عبقرية عن فكرة ماكس بلانك، فكانت فكرته تخالف ما افترضه بلانك حول إشعاع الجسم الأسود وتخالف كذلك ما هو معلوم من خلال القوانين الكهرومغناطيسية حول خاصية الضوء، بحيث أنه قال أن هذه الظاهرة يمكن تفسيرها بحل واحد وهو أنه يجب أن نقبل بأن الضوء لا يتصرف فقط كموجة وينتقل بطريقة متصلة كم يعتقد الجميع وإنما فهو ينتقل على شكل كمات طاقية متقطعة غير متصلة. فأخذ علاقة ماكس بلانك وأعاد تفسيرها بطريقة أخرى، بحيث قال لبلانك أنه ليست فقط التبادلات بين المادة والاشعاع هي التي تتم بطريقة مُكممة كما افترضت وإنما فالتكميم يوجد كخاصية جوهرية لجميع الموجات الكهرومغناطيسية وعلى وجه الخصوص الضوء الذي هو موضوع الظاهرة المدروسة.
فكانت فكرته أنه ليست فقط التبادلات الطاقية بين الإشعاع والمادة هي التي تتم بطريقة متقطعة وعلى شكل كمات كما افترض ذلك ماكس بلانك لحل لغز الكارثة فوق البنفسجية، وإنما الإشعاع الكهرومغناطيسي نفسه يمتلك خاصية عدم الاتصال، فهو ينتقل على شكل كمات وليس بطريقة متصلة، ثم غير علاقة ماكس بلانك بالعلاقة التالية:
E(n) = n.h.f
حيث (n)E تمثل الطاقة التي يحملها شعاع كهرومغناطيسي أو شعاع ضوئي، فالشعاع الكهرومغناطيسي يتكون من عدة فوتونات و n تمثل عدد الفوتونات، فإذا كان هناك فقط فوتون واحد فإن n = 1 وبالتالي تصبح طاقة فوتون واحد هي:
E = h.f
فمثلا إذا كان هناك شعاع كهرومغناطيسي يتكون من تردد واحد f₁ فإن طاقته الكلية E₁، أي هي مجموع الفوتونات n ضرب كمية فوتون واحد h.f₁ وبالتالي نحصل على :
E₁(n) = n.h.f₁
ونفس الشيء اذا كان شعاع له تردد اخر f₂ فإن طاقته الكلية E₂ هي :
E₂(n) = n.h.f₂
بحيث n تساوي :
n = 1, 2, 3, 4, 5 ….
فرغم أن هذا الاستعمال الجديد لعلاقة بلانك والتفسير الجديد الذي أعطاه لها وانسجام هذه التفسيرات مع النتائح التجريبية إلا أن بلانك لم يكن موافق على ذلك، لأن هذه الفكرة بدت له أكثر جنونية ولا تنسجم مع قوانين الكهرومغناطيسية التي كان الأب الروحي لها هو الأستاذ العظيم ماكسويل.
Rayleighy- jeans : رايلي-جينس
Wien : فيين
Planck : بلانك
Quantifiée : مُكممة
Quantification : تكميم
Corps noir : الجسم الأسود
Effet photoélectrique : التأثير الكهروضوئي
إعداد : شعيب المستعين
المراجعة اللغوية : خولة سطيلي
3 Comments
Nadii
Nice article as usual, keep up
Excellent