يعتقد الكثير أن نظرية أينشتاين حول الجاذبية والتي تسمى بالنسبية العامة قد ألغت مفهوم الجاذبية الذي أتى به نيوتن في نظريته، ولكن هذا غير صحيح فما أتى به أينشتاين هو فهم للجاذبية بطريقة مغايرة للطريقة التي قدمها بها نيوتن.
يقول نيوتن في نظريته أن الأجسام تحدث بينها تأتيرات أو تفاعلات بفعل الكتلة المادية التي يتضمنها كل جسم ، بحيث أنه يطبق كل جسم قوة جذب على الآخر، وتتناسب هذه القوة طردياً مع ضرب كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة الفاصلة بينهما. لكن الغريب في هذه النظرية والذي ظل لغزاً مُحيراً للعديد من العلماء وعلى رأسهم أينشتاين نفسه هو أن هذه القوة كانت تتضمن أشياء غريبة بحيث أنه لم نكن نعلم الآلية الحقيقية التي تشتغل بها هذه القوة، لأنه حسب النظرية فإن هذه التأثيرات تعمل بطريقة آنية ولحظية ولا تحتاج إلى مدة زمنية لكي تنتشر من جسم إلى آخر مهما كانت المسافة الفاصلة بينهما.
أما الجديد الذي أتى به أينشتاين في نظرية النسبية العامة فهو أن الأجسام المادية تحدث بينها وبين الزمكان تأثيرات، يعني حسب هذه النظرية ليست هناك تأثيرات تحدث بين الأجسام المادية بفعل الكتلة كما قال نيوتن، وإنما بين الأجسام المادية والزمكان، وهنا يكمن السر بحيث أن هذه التأثيرات بين المادة والزمكان تُحدث تحدب في الزمكان مما يجعل باقي الأجسام ذات الكتل الصغيرة تسبح في تقعر الزمكان الذي تُحدثه الأجسام الثقيلة بفعل تفاعلها الجاذبي مع الزمكان.
إذن نفهم من هذا أنه ليس تحدب الزمكان هو الجاذبية نفسها التي أتى بها أينشتاين وإنما هذا الأخير هو فقط نتيجة للتأثير الجاذبي بين المادة والزمكان. كما أن نظرية أينشتاين ألغت التأثير الآني واللحظي للجاذبية كما كان في نظرية نيوتن، لأنه حسب نظرية أينشطاين فالجاذبية تحتاج الى مدة زمنية لتنتشر عبر الزمكان.
• مالذي جعل نظرية نيوتن تعطي نتائج صحيحة رغم اختلافها مع نظرية أينشتاين؟
فعندما ندقق الفهم في نظرية أينشتاين يبدو ظاهرياً وكأن هناك تأثيرات بينية بين الأجسام المادية، بحيث أن إنحناء الزمكان الذي تتسبب فيه الكتل الكبيرة مع الزمكان يؤثر على الأجسام المادية الأخرى ذات الكتل الصغيرة، مما يجعلنا نلاحظ وكأن هناك فقط تأثيرات بينية بين المادة بحيث أن الكتل الكبيرة يكون لها تأثير أكبر على الكتل الصغيرة بسبب فرق الكتلة، لأن الكتل الكبيرة هي التي تحدث تشوهات أكبر في الزمكان. فإذا ما وضعنا نموذج خاص يقتصر فقط على هذه التأثيرات الظاهرية التي تحدث بين المادة وكأنها هي الأصل دون الأخد بعين الإعتبار التأثيرات البينية بين المادة والزمكان، سوف نستطيع تفسير الكثير من الأشياء حول ظاهرة الجاذبية وهذا ما حدث بالفعل مع نظرية نيوتن.
إذن الجواب هنا على السؤال الذي بدأنا به مقالنا حول حقيقة إلغاء نظرية أينشتاين لنظرية نيوتن هو أن نظرية أينشتاين لم تلغي نظرية نيوتن، وإنما جعلت منها حالة خاصة للنظرية العامة وأعطتها تفسيراً أكثر عمقا و شمولية، فاليوم لم نعد نفهم الجاذبية على أنها عبارة فقط عن تجاذب بين الأجسام بسبب الكتلة وإنما هي عبارة عن تفاعل للمادة التي تكون الأجسام مع الزمكان الذي تتواجد فيه وهذا هو ما يؤثر على الزمكان نفسه ويجعله يتحدب ويتشوه مُحدثاً بذلك مسارات زمكانية تجعل باقي الكتل الصغيرة تسبح فيها.
إعداد : شعيب المستعين
المراجعة اللغوية : نادية بوحفص