أغرب من الخيال: ماذا سيحدث إذا كانت سرعة الضوء هي فقط 100m/s ؟ عدم تزامن الأحداث في النسبية الخاصة.

نبدأ مقالنا بسؤال بسيط جداً والذي له أيضا جواب بسيط كذلك، لماذا نستطيع الرؤية بالنهار ولا نستطيع الرؤية في الليل عندما لا يكون القمر حاضراً؟

لا نستطيع الرؤية في غياب الضوء لأن الضوء هو دليلنا على الرؤية، بحيث يتفاعل مع مستقبلات معينة في العين ويرسل اشارات الى الدماغ والذي بدوره يترجمها الى صور تراها في دماغك ويتخيل لك أنك تراها في المكان الذي تحدث فيه، الضوء عندما ينعكس على الاشياء الموجودة في المحيط المتواجد به يتشتت في جميع الاتجاهات، ولهذا فأينما اتجهت ببصرك سوف تلتقط عيناك أشعة ضوئية منعكسة على أشياء أمامك، وفي غياب الضوء لا يمكن أن نرى شيء.

من المعلوم أن سرعة الضوء في الفراغ هي 300000km/s، وتقريبا هي نفسها في الهواء لأن معامل انكسار الضوء في الهواء قريب جداً من 1، إذن حسب معطى سرعة الضوء فإنه يقطع 300000 كيلومتر في الثانية الوحدة. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرى حدثين يحدثان في نفس اللحظة رغم أنهما يبعدان عنا بمسافات مختلفة، وهذا ما نسميه بالآنية خلال الرؤية، يعني أننا نظن أن الأحداث تحدث في لحظة آنية، ولكن في الحقيقة ما نراه يحتاج الى مدة زمنية ليصلنا، وبما أن الحدثين يوجدان على مسافات مختلفة عنا فإنه لا يجب أن نرى أنهم يحدثان في نفس اللحظة.

لكي تستوعب عزيزي القارئ ماذا أقصد بالضبط سوف نوضح ذلك من خلال بعض الأمثلة والإفتراضات البسيطة، لنفترض أن سرعة الضوء صغيرة جداً مقارنة مع السرعة الحقيقية:

لنفترض أن سرعة الضوء هي فقط 100m/s، إذن الضوء سوف يقطع فقط 100 متر خلال كل ثانية واحدة، هذا الافتراض الذي يبدو عادياً سوف ينتج لنا ظواهر غريبة لم نفكر فيها من قبل.

▪التجربة الذهنية الأولى

تخيل أنك تقف بعيداً عن منزلك بمسافة 200 متر، ثم في لحظة ما أطلت عليك أمك من النافذة في مدة زمنية قدرها ثانية واحدة وأختفت.

لكي ترى أمك وهي تطل من النافذة يجب أن تنتظر ثانيتين بالضبط، يعني أنه يجب على الضوء المنعكس على جسم أمك قطع مسافة 200 متر لكي يصل الى عيناك وتراها، لأن الضوء يقطع كل ثانية واحدة مسافة 100 متر. أُمك طلت مدة ثانية واحدة من النافذة واختفت وأنت تحتاج الى ثانيتين لرؤيتها وهذا معناه أنك لن ترى في اللحظة الآنية إلا صورتها في النافذة فقط، لأنها هي لم تعد في النافذة لأنها ذهبت في الثانية الأولى! أي أنه أنت تنظر الى ماضي أُمك. الضوء في الحقيقة دوره هو أن ينقل الى أعيننا صور الاشياء في الطبيعة، فنحن عندما ننظر الى الاشياء في الطبيعة فإننا ننظر الى الصور التي يحملها الضوء الى أعيننا ويترجمها دماغنا على النحو الذي نراها به. من الممكن أن لا تستطيع استيعاب ما أحاول إيصاله اليك ولكن يجب أن تركز قليلا وتعيد قراءة الفقرة من جديد حتى تستوعب الفكرة جيداً.

▪التجربة الذهنية الثانية

أتمنى أنك فهمت جيداً التجربة الذهنية السابقة المفترضة لأننا سوف نتطرق الآن إلى تجربة ذهنية أخرى اصعب قليلا من سابقتها، نفترض في هذه الحالة أنه يوجد على بعد مسافة 300 متر منك شخص قصير ومن ورائه على نفس المستقيم الذي يربط بينك وبين الشخص القصير يوجد شخص طويل يبعد عنه بمسافة 100 متر، أي أن الشخص الطويل يبعد عنك هو الآخر بمسافة 400 متر.

لنفترض أنه في نفس اللحظة قام الشخصين بإشارة لك بيدهما في الأعلى، الضوء القادم من الشخص الطويل يحتاج الى 4 ثواني ليصل الى عيناك، بينما الضوء القادم من الشخص القصير سوف يحتاح فقط 3 ثواني ليصل الى عيناك، إذن الاشارتين وقعتا في نفس اللحظة لكنهما وصلتا الى عيناك في لحظتين مختلفتين بفارق ثانية واحدة بينهما! لأنك سوف ترى إشارة الشخص القصير أولاً ثم بعدها بثانية واحدة سوف ترى إشارة الشخص الثاني.

▪التجربة الذهنية الثالثة

تخيل أنه توجد شجرة بعيدة منك بمسافة 6000 متر وبما أن الضوء يقطع في كل ثانية 100 متر، فإن الضوء المنعكس على الشجرة والقادم الى عيناك سوف يحتاج الى مدة زمنية قدرها 60 ثانية، واذا ما انكسرت الشجرة على إثر رياح قوية فإنك لن ترى الشجرة تسقط على الأرض إلا بعد مرور 60 ثانية أي بعد مرور دقيقة واحدة، وفي هذه اللحظة أنت ترى فقط ماضي الشجرة تسقط وليس لحظة سقوطها الآنية.

▪كيف تبدو الأرض لمن يشاهدها من المجرات البعيدة ؟

تخيل أنه هناك كائن فضائي يوجد على أحد الكواكب في مجرة تبعد عنا بملايير السنوات الضوئية ويحمل معه تيلسكوبا عجيباً يستطيع من خلاله إلتقاط الأشعة القادمة إليه من الأرض، ولكي يرى الأرض سوف يلتقط أشعة الضوء التي إنطلقت من الأرض منذ مليارات السنين الضوئية في طريقها نحو هذا الكوكب في تلك المجرة، تخيل أن الاشعة التي سوف تصله ستكون حاملة لصورة الأرض منذ ملايير السنيين الضوئية أي أنه قد يرى أن المجموعة الشمسية في طور التكون ولا وجود للأرض أو أنه قد تصله الأشعة التي تحمل صورة الأرض عندما كانت لا تزال عليها الديناصورات، أي ان هذا الكائن الفضائي لن يرى إلا ماضي الأرض منذ آلاف أو ملايير السنوات مضت.

▪هل النجوم التي نراها حقيقية ؟

ما شرحناه سابقاً يفسر لنا كيف أنه من الممكن أن بعض النجوم البعيدة عنا بمسافات كبيرة قد تكون إنتهت حياتها واختفت منذ زمن بعيد ولكننا لا نزال نراها من على الأرض في مكانها، هذا يحدث فقط لأن الضوء الذي خرج منها لا يزال في طريقه نحونا، واخر شعاع خرج منها لحظة اختفائها لا يزال في طريقه نحونا.

▪خلاصة

كلنا نستغرب من السرعة الهائلة التي يمتلكها الضوء، ولكن في الحقيقة بسبب هذه السرعة الهائلة نستطيع أن نرى وكأن الأحداث التي تحدث في عالمنا وكأنها تحدث بطريقة آنية، ولكن في الحقيقة هذا غير صحيح، لأن كل حدث يحدث يحتاج الى مدة زمنية مهما كانت قصيرة لينتقل الينا حتى نستطيع رؤيته، ولكن لأن سرعة الضوء كبيرة جداً نظن وكأن الأحداث لا تحتاج الى زمن لتنتقل من مكان حدوثها لتصل الى أعيننا.

تحرير : شعيب المستعين

المراجعة اللغوية : نادية بوحفص


اقرأ أيضا :

choaib el moustaine

Read Previous

و أخيرا .. منشورات علمية مفتوحة الولوج إبتداءا من 2021

Read Next

أحداث علمية مترقبة خلال سنة 2021

2 Comments

  • مقال مشوق…تبارك الله عليك

  • مقال جيد وشرح مبسط واي واحد غايفهم الا للي راسو مربع ههه

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!