لماذا يرفض العلم التجريبي إقحام الإله في النظرية العلمية ؟

العلم التجريبي بطبيعته موضوعي و غير متحيز لأي إديولوجية أو عقيدة دينية، فهو يأخذ مسافة من الإيديولوجيات والمعتقدات، أي أنه إرث بشري يمكن لأي إنسان أن يساهم فيه دون أي تحيز أو أدلجة وإلا فإن أي أدلجة أو تحيز لدين معين سوف يجعله غير موضوعي أو يجعله يتقاطع مع ديانات أخرى ترفضه…

كما نعلم فالعَالم اليوم مليء بالديانات وكل ديانة تختلف عن الديانة الأخرى من حيث المعتقدات، ولكل ديانة نبي وإله بمواصفات مختلفة عن باقي الديانات الأخرى، لنأخذ مثالا على ذلك نظرية التطور فإذا قلنا أن الإله هو الذي يسهر على تطور وتنوع الكائنات الحية ويوجهها حيث يريد في خطة مكتملة من البداية … فأي إله نقصد بذلك؟ لأن البشرية ليست على دين وإله واحد، فلكل طائفة معينة عقيدتها الدينية… كالهندوسية، البوذية، الزرادشية، الآرامية، الربوبية، اليهودية، المسيحية والإسلام… ثم يأتي بعد ذلك الذين لا يؤمنون أو يشككون بوجود إله كاللأدريين والملحدين.

وهنا يكمن أصل المشكل، إذ أن معتقدات البشرية تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر، وأي إقحام لمعتقد ما في المسائل العلمية سوف يؤدي إلى فساد هذا العلم وتحيزه وقد يتم رفضه من البعض كذلك، وهذا يحدث الآن مع بعض المسيحين والمسلمين إذ يعتقدون في العلم ما ليس فيه ويظنون أنه متحيز لطرف معين، ولكن هذا غير صحيح ونابع فقط من فهم خاطئ للعلم التجريبي ولكيفية إشتغال العلماء حسب التعليمات الصارمة للمنهج العلمي.

فمهما كانت ديانتك وتوجهاتك … فالعلم التجريبي يحترم ذلك ويجعل هذه الأشياء خارج دائرة بحثه، لأن كل ما يكترث له العلم هو اكتشاف ألغاز وقوانين الطبيعة والكون، وتحديد وفهم آلية عملها، وليس الغرض منه أن يُوحِّد البشرية على دين ومعتقد واحد، وفي هذا الصدد وضع العلماء على إختلاف معتقداتهم شروطا صارمة ترفع العلم التجريبي فوق كل الأديان والمعتقدات حتى يصبح إرثا وملكا للإنسانية جمعاء، ومن ضمن هذه الشروط التي يتبناها المنهج العلمي، هي عدم إقحام الإله في أي نظرية علمية على الإطلاق، لأن إقحامه في النظرية العلمية هو فرضية غير قابلة للملاحظة والإختبار والتجريب، ومنه فإن أي إقحام للإله في نظرية علمية معينة يصبح غير منسجم مع شروط العلم التجريبي أي المنهج العلمي الصارم، ولهذا فالنظرية العلمية يجب أن تكون مبنية على حجج وأدلة علمية قوية تضعُها فوق كل المعتقدات والإيديولوجيات، وإلا فكيف يمكن لشخص من ديانة ومعتقد آخر مختلف عنك أن يقبل هذه النظرية المتحيزة لدين معين والتي لا يمكن إختبارها حسب معتقداته هو، لأن إقحامك للإله في النظرية لم يعد طرح علمي.

ولهذا من المستحيل أن يتم قبول أي نظرية علمية تتضمن الإله كفاعل مباشر أو قائم على فعل شيء فيها، قد يستعمل العلم مصطلح العشوائية والصدفة أحياناً في بعض النظريات العلمية، وذلك ليتجنب ذكر تدخل إلهي مباشر والسبب هنا بسيط جداً ولا علاقة له بنفي وجود الإله قطعاً، لأنه من وجهة نظر علمية إذا إدعى العالِم أن الأمر يحدث بفعل إلهي مباشر، عليه إقامة الحجة على ذلك، وبما أنه غير قادر على تقديم حجة علمية قابلة للتجريب والملاحظة كما ينص المنهج العلمي على ذلك، فإن الحجة تبقى قائمة فقط على مبدأ العشوائية والصدفة لأن هذا هو ما يمكن رصده بالتجربة والملاحظة، فمن الجانب العلمي إذا كان هذا الطرح يفي بالغرض ويعطي نتائج ملموسة فهو مقبول وإلا فإن عدم توافق نتائج النظرية مع التجربة يجعل من النظرية غير مقبولة.

العلماء في العالم اليوم وعلى اختلاف معتقداتهم و توجهاتهم ليسوا من يضعون القواعد لكنهم يشتغلون وفقها، مثلا نفترض أن هناك عالما ملحدا فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤثر إلحاده على العلم و يجعل من بعض النظريات نظريات ملحدين… لماذا ؟

لأن ذلك العالِم الملحد عندما يتوصل إلى نتائج علمية ما، يُرسلها إلى جماعة المجتمع العلمي والتي لها أعضاء دورهم يكمن في دراسة تلك الأبحاث وإعادة التجارب والتحقق من صحة كل النتائج التي توجد في البحث دون أن يكون لهم عِلما مُسبقا بصاحب هذه البحوث ، ولا يعلمون إذا ما كان صاحب هذا البحث ملحد أو مؤمن، ولا دخل لهم أصلا بعقيدته، فما يهُم هو صحة ما يدعيه في أبحاثه واحترامه للمنهج العلمي، وبعدما تخضع الأوراق البحثية إلى التدقيق العلمي والمراجعة ويتم التأكد من سلامة وصحة الطرح يتم قبول أو رفض أبحاثه، وتنشر تحت إسمه في حالة القبول، وإذا ما ظهر ما يعارضها ويفند صحتها من طرف أبحاث أخرى، يتم من جديد إعادة مراجعتها وتصحيح ما يجب أن يُصحح، وبهذه الطريقة يمكن للعلم أن يستمر في التقدم والتطور دائماً نحو ما هو أفضل للبشرية دون عوائق ولا حواجز متحجرة تحد من مرونته وانصياعه للحق والتجربة دائماُ، فكل شيء في العلم قابل للشك والدحض إذا ما ظهرت أدلة جديدة تعارض ما كان مُصادق على صحته.

الكل يعلم ما نعيشه اليوم مع بعض المتعصبين للمعتقدات الدينية، والذين لهم تشبث أعمى بالعقيدة إلى درجة أن تعصبهم هذا للدين أصبح يدفعهم لرفض بعض النظريات العلمية، لا لشيء؛ فقط لأن هذه النظريات تبدو لهم وكأنها تتعارض مع ما يؤمنون به، وهذه طامة كبرى وجب التدخل للرد عليها حتى يزول اللبس بين ما يعيشه المتدين من حيرة بين بعض النظريات العلمية ومعتقداته الدينية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر : نظرية الانفجار العظيم، نظرية كروية الأرض، نظرية الجاذبية، نظرية التطور وكذلك نظرية الأكوان الموازية التي لم يُحسم الأمر فيها حتى اللحظة … هذه فقط عينات من النظريات التي يتم رفضها من طرف الكثيرين لأسباب عقدية دينية محضة لا علاقة لها بالعلم.

كما لا ننسى أنه هناك شريحة واسعة من العلماء والعامة الذين لا يؤمنون بوجود إله ساهموا بشكل كبير في رفض بعض المؤمنين لجل هذه النظريات، ظناً منهم أنها لا تمثل إلا هؤلاء الذين ينكرون وجود الإله، وما نعيبه على بعض المتدينين نعيبه كذلك على بعض منكري الله الذين يتبنون بعض هذه النظريات لتبرير معتقداتهم، وهذا أيضاً لا علاقة له بالعلم ولا إحترام فيه للمنهج العلمي فهم فقط يفترضون ويلوون أعناق النظريات حتى تنسجم مع معتقداتهم، فكيف يمكن للملحد أن يقول لك أن نظرية التطور قد نسفت وجود الإله وهو يعلم أن إقحام الإله في النظرية العلمية أمر غير ممكن حسب شروط المنهج العلمي، إن النظرية العلنية منزهة عن كل هذه الإلتواءات التي تتعرض لها من الطرفين ، فنظرية التطور تخبرنا فقط كيف تطورت الكائنات الحية وتفرعت وتنوعت من أصل واحد، ولا تخبرنا من أين بدأت الحياة ولا كيف بدأت.

نظرية التطور لا تفسر كيف نشأت الحياة على الأرض أول مرة ولا تنفي وجود الإله أصلاً، لأنه بمجرد أن يتم ذكر الإله فيها سواء بالوجود أو بالنفي تبطل النظرية من أصلها، لأن فكرة ذكر الإله في النظرية هي فرضية لا يمكن التحقق منها تجريبياً حسب شروط المنهج العلمي، فهذه النظرية تفسر لنا فقط كيف حدث هذا التنوع الهائل في الكائنات الحية بناءا على طرح علمي محض وإستناد على حقائق وأدلة علمية متنوعة بعيداً عن كل التحيزات و الإيديولوجيات، ولا أحد من الذين ينكرون وجود الله يمكنه أن يأتي بورقة بحثية وحيدة تدعم نظرية التطور تقول بأن الإله غير موجود.

وختاماً لما سبق لا يجب أن ننساق وراء أولئك الذين يستغلون العلم لأغراض إيديولوجية و غير علمية، لا من جهة المتدينين ولا من جهة منكري الإله، لأن هناك العديد من العلماء الذين يؤلفون بعض الكتب ويصورون برامج وثائقية متحيزة وبمجرد أن تقرأ هذه الكتب، أو تشاهد إحدى هذه البرامج تُحس وكأن شيء هناك يحاول جرك إلى معتقد معين … لكن يجب أن نعلم جيداً أن العلم التجريبي لا يتمثل في كلام هؤلاء العلماء الذين يتحيزون لبعض معتقداتهم، و لا في كتبهم التبسيطية للعلم المتحيزة ولا في بعض بالرامجم الوثائقية المتحيزة كذلك، لأن كل هذه الأشياء غير خاضعة للتدقيق والمراقبة العلمية من طرف المجتمع العلمي، فمهما قال العالِم من كلام و فرضيات لا دليل علمي عليها، تبقى مجرد كلاما مفترضا غير خاضع للمنهج العلمي طالما لم يتم التحقق منه مخبريا وعلمياً باحترام للمنهج العلمي.

من يريد إتباع طريق العلم الصحيح عليه أن يتوجه إلى منبعه الأصلي، أي الكتب المصادق عليها أكاديميا والتي يتم اعتمادها في الجامعات العالمية، أما تلك الكتب التي تطرح فرضيات خارج نطاق العلم، أو تلفق لبعض النظريات ما ليس فيها يجب قراءتها بحذر حتى لا يختلط على القارئ العلم الحقيقي الخاضع للمنهج العلمي مع الفرضيات التي لم يتم بعد التحقق من صحتها.

إعداد : شعيب المستعين

التدقيق اللغوي : نادية بوحفص، خولة سطيلي


اقرأ أيضا :

choaib el moustaine

Read Previous

المسبح والهواء يوجدان في نفس درجة الحرارة، لكن عندما نقفز في المسبح نشعر بأنه أبرد من الهواء ! ما السبب في ذلك؟

Read Next

كيف تطورت المادة عبر مليارات السنين؟ : من الإنفجار العظيم إلى ظهور المادة الحية

5 Comments

  • في الحقيقة هذا المقال ينبغي أن يراجع ففيه العديد من المشاكل
    أريد فقط أن أعلق على أن ” العلم موضوعي ” هذه العبارة غير صحيحة ومما يشهد لذلك التضييق الذي تم على العلماء المعارضين لنظرية التطور، فإن كان موضوعيا فليتركوا وشأنهم وفيلم ” مطرودون ” قد أوضح ذلك التضييق

  • المقال مجرد كلام إنشائي عامر بالمغالطات والتحيزات، فرغم التنبيهات المتتالية من التحيز والميل لإديولوجية معينة إلا أن الكاتب يبين عن تحيزه لما يؤمن به من نظريات تناصر معتقدات معينة..
    القول أن نظرية التطور لا تتحدث عن أصل نشوء الحياة في الأرض هو في الحقيقة كذب على أصحاب وأنصار النظرية بتحيز تأكيدي واضح، فالنظرية مبنية على العشوائية ونفي الخالق أو الواحد في كثير من الورقات العلمية بمجلات مرموقة داخل الوسط الداروينية

  • شكرا ❤

  • بكل بساطة .لان علمكم مزور و يعتمد على مصادر وكالة الفضاء الناسا للخيال العلمي .الارض ثابتة لا تتحرك .الشمس القمر في حركة .هناك حقائق اخرى .لا يريدون اصلا ان تكون مؤمنا بوجود الخالق .و يوهمونكم بالتكنولوجيا و العلم المزيف معتمدين على نظريات واهية و الحادية محضة .

  • الكاتب ذو عقل نير يتكلم بموضوعية والمنهج علمي محض بالتوفيق استاذ

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!