هل فعلا تسقط النجوم ؟ : من الانفجار العظيم الى الكويكبات والنيازك

الناظر للسماء ليلا يرى النجوم مضيئة جميلة تلمع في جميع الاتجاهات وكأنها وضعت كزينة للسماء، ويكون هذا المنظر أكثر روعة إذا تمت مشاهدة السماء من مكان غير ملوث بالأضواء الناتجة عن مصابيح الإنارة على الأرض، لكن المتأمل الجيد يرى من حين لآخر ضوءا يسقط أو يتحرك بسرعة كبيرة، وكأن الأمر يتعلق بنجمة تسقط من مكانها.

لكن هل هذا حقيقي هل يمكن للنجوم أن تسقط من مكانها وتسير في الفضاء ؟

لكي نشرح مصدر هذا الضوء علينا أن نذكر بالعديد من الظواهر والمفاهيم الأخرى التي لها أهمية كبيرة في فهم كوننا جيداً، أولا هناك ما يسمى بالمذنبات و الكويكبات والأحجار النيزكية وهي تختلف فيما بينها من حيت المكونات والأحجام، وتختلف كذلك من حيث أماكن تواجد كل منهما في المجموعة الشمسية، وهذه الأشياء تُعد المصدر الرئيسي لذلك الضوء المتحرك في السماء.

سوف نفصل في كل هذا بعد أن نتطرق أولاً إلى أصل المادة و تكون المجموعة الشمسية التي هي المصدر الأساسي لهذه الظاهرة التي نعتزم شرحها في هذا المقال.

▪أصل المادة Origine de la matière

بعد علاقة التكافؤ بين الكتلة والطاقة التي أتى بها أينشتاين في النسبية الخاصة E = mc² تبيَّن أن الطاقة والكتلة وجهان لعملة واحدة، لكن الكتلة هي فقط خاصية من خصائص المادة، أي أنها من المميزات التي تميزها مثلها مثل الشحنة الكهربائية، الكتلة عرفنا أصلها ومصدرها بعدما رصدنا بوزون هيكز الذي يجعل الجسيمات تتفاعل مع حقل هيكز وهذا ما يعطي للجسيمات المادية خاصية الكتلة، لكن فيما يتعلق بخاصية الشحنة الكهربائية فهي لا تزال لغزاً محيراً لعلماء الفيزياء حتى اللحظة.

تكونت الذرات بعد مدة زمنية تقارب 380000 سنة بعد الانفجار العظيم وكانت أول الذرات التي تشكلت هي الذرات البسيطة كالهيدروجين و الهيليوم، لكن نوى الهيدروجين أو ما يعرف بالبروتونات ظهرت بعد مدة زمنية تقارب 0,000001 ثانية بعد الانفجار العظيم، وهذا يعني أن الجسيمات الأولى التي تشكلت منها البروتونات ظهرت قبل هذه المدة الزمنية، لأن البروتونات ليست بجسيمات أولية وإنما تتشكل من الكواركات العلوية والسفلية، هذه الكواركات تسمى بالجسيمات الأولية التي تتكون منها المادة إلى جانب الالكترونات، ومصدر كل منهما بطبيعة الحال هي الطاقة التي كانت تشكل نقطة البداية لحظة الانفجار العظيم.


Design Alex Mittelmann, Coldcreation / CC BY-SA
الانفجار العظيم

الكون الحالي الذي عمره تقريبا يقدر ب 13,8 مليار سنة، إنبثق من نقطة صغيرة جداً وذات كثافة لا نهائية ودرجة حرارتها عالية جداً، أي أن الكون بأكمله الموجود اليوم مصدره تلك النقطة التي كانت تحوي طاقة الكون بأكمله حيث لا وجود للمادة حينها، ثم في لحظة من الزمن التي نعتبرها اللحظة صفر التي بدأ معها سهم الزمن، تعرضت هذه النقطة الكونية الصغيرة إلى تضخم كبير جداً في مدة زمنية صغيرة جداً تقدر ب ³²⁻10 ثانية، واستمر الكون في التوسع بسرعة كبيرة جداً وبطريقة متسارعة، ولا يزال يتوسع حتى اللحظة، ورافق هذا الانفجار والتوسع الكوني إنخفاضا كبيرا في درجة الحرارة الكونية مقارنة مع لحظة البداية وهذا ما سمح للجسيمات المادية الأولية كالكواركات والإلكترونات بالتكون والالتحام مع مرور الزمن، وبعد مضي ما يناهز 380000 سنة من التوسع بدأت تتشكل الذرات.

▪سديم Nébuleuse

بعد 380000 سنة من الإنفجار العظيم كانت درجة الحرارة الكونية مناسبة لتشكل وتكون الذرات، والتي سوف تشكل فيما بعد “المادة الخام” لتكوُّن النجوم والكواكب في الفضاء الكوني، مع استمرار توسع الكون وتشكُّل المزيد من الذرات، كغاز الهيدروجين والهيليوم و الغبار الكوني، والذي شكل فيما بعد تكتلات وتجمعات مادية في الفضاء على شكل سحابة عظيمة، وهذا ما يسمى اليوم بالسديم فهو عبارة عن الغبار الكوني والغازات المتأينة إضافة إلى الهيدروجين والهيليوم، كما أنه قد تدخل في تشكل بعض السُدم بقايا موت بعض النجوم ذات الكُتل العظيمة في حدث عظيم يسمى بالسوبرنوفا، أغلب السُدم توجد بأحجام جد هائلة وكبيرة، وقد يصل الواحد منها إلى مئات السنوات الضوئية، لكن كثافة هذه المادة التي تشكل السُدم تكون جد ضعيفة حيث أنها تكون أقل من الفراغ الذي يمكن أن نُنتجه على الأرض، وهذا يعطينا فكرة عن كيفية تموضع الذرات وجسيمات الغبار الكوني بعضه فوق بعض في الفضاء الكوني، بحيث أن سديم بحجم الكرة الأرضية له فقط كتلة تعادل بعض الكيلوغرامات. غالباً ما يظهر السديم بمظهر ملون مهيب وخلاب وذلك بفضل النجوم المتكونة بداخله، فبفعل الأمواج الكهرمغناطيسية التي تبعث بها يُستثار الغاز المكون للسديم ويبعث هو الآخر الأضواء الملونة وذلك حسب ما يتكون منه من غبار وغازات، يُعد السديم مكان خصب لولادة النجوم، كما هو الحال مع ولادة مجموعتنا الشمسية والتي تكونت بفضل الغبار الكوني والغازات التي كانت تشكل قبل 4,568 مليار سنة سديم في مجرة التبانة.

سديم

▪مجرة Galaxie

تعتبر المجرة تجمع هائل وكبير جدا لمليارات النجوم والشموس مختلفة الأحجام والغازات والغبار الكوني ويفترض العلماء وجود المادة المظلمة بها، إضافة إلى وجود ثقب أسود بكتلة عظيمة جداً في مركزها، وقد يصل طول المجرة الواحدة إلى 80000 سنة ضوئية، باختصار يمكنك أن تجد بالمجرة في آن واحد موت و ولادة نجوم وكذلك السدُم و وجود الكواكب، فهي تعتبر مرتع لكل الظواهر الكونية الملاحظة تقريباً في الفضاء، ويقدر العلماء أن كوننا الذي لا نعلم حتى اللحظة بحجمه الحقيقي قد يصل عدد المجرات التي يحتوي عليها إلى 2000 مليار مجرة.

مجرة

▪تشكل المجموعة الشمسية Formation du système solaire

لقد تشكلت مجموعتنا الشمسية منذ تقريباً 4,6 مليار سنة حيث بدأ تكونها داخل مجرة درب التبانة بفعل سديم على شكل سحابة جد كبيرة من الغازات والغبار الكوني، وبسبب الجاذبية بدأت المادة الموجودة في هذا السديم تتجمع على شكل كتل صغيرة متفرقة، ومع تزايد حجم هذه الكتل تتزايد الجاذبية أكثر مما يجعل المادة تُسحب أكثر نحو هذه التجمعات من المادة، وبسبب هذه الجاذبية بدأت سحابة المادة بالإنهيار على نفسها شيئا فشيء، كانت المادة تتركز أكثر فأكثر في مركزها مما جعل الضغط والحرارة ترتفع تدريجياً مع استمرار تجمع المادة وانهيار السديم، فبدأ قلب السحابة بالدوران حول نفسه بسرعة أكبر فأكبر، وبفعل تزايد المادة في المركز بدأت معالم النجم تظهر تدريجيا، إنها ولادة أول نجم داخل السحابة والذي سيضيء بقايا السديم بطاقة الإنذماج النووي الصادرة من قلب النجم، ومع استمرار إنهيار النجم على نفسه بفعل جاذبيته إستمر الضغط ودرجة الحرارة داخل قلب النجم في الارتفاع، لكن هذا الانهيار لن يدوم إلى الأبد فسرعان ما ستتوازن قوى الجاذبية مع قوى الضغط الناتجة عن الانذماج النووي داخل قلب النجم مما سيجعل النجم يستقر في حجم معين، وبالتالي إنهيار النجم على نفسه يتوقف، ما يوجد داخل قلب النجم أثناء تكونه هي فقط بلازما الحالة الرابعة للمادة حيث تنفصل الالكترونات عن أنويتها وتنهار الذرات ويصبح لدينا فقط مزيج من أنوية الذرات و الالكترونات المنفصلة عنهم، هذه العملية لا تحدث بين ليلة وضحاها بل تتطلب مدة زمنية جد كبيرة تصل إلى المليارات من السنين.

المجموعة الشمسية

ماتبقى من الغازات والغبار الكوني حول النجم حديث الولادة يستمر في السباحة والدوران حوله بفعل الجاذبية وقانون القصور الذاتي، الشيء الذي ينتج عنه تركز المادة في نفس المستوى حول النجم، وبسبب الاصطدامات التي تحدث بين الغبار الكوني والغازات خلال الدوران بسرعة كبيرة حول النجم يحدث إلتحام للمادة فيما بينها ويبدأ حجم هذه الصخور في الازدياد شيئا فشيء، مما سيُكوِّن تجمعات من المادة التي سيزداد حجما تدريجيا، وبسبب إختلاف المسافة التي تبعد بها هذه التجمعات المادية عن الشمس تجعل مكونات هذه التجمعات تختلف من واحدة إلى أخرى، فالتجمعات القريبة من الشمس يكون معظمها صخري متحجر لأن التجمعات المادية التي تتكون من الجليد تتبخر بفعل درجة الحرارة المرتفعة، في حين التجمعات المادية البعيدة من الشمس تحتوي إضافة إلى المتحجرات الصخرية على الجليد، لأنها منطقة باردة جداً بسبب إنخفاض درجة الحرارة. بفعل الرياح الشمسية إبتعدت غازات كل من الهيدروجين و الهيليوم نحو الكواكب البعيدة المتكونة من الجليد وبفعل جاذبية هذه الكواكب الكبيرة تم جذب هذه الغازات نحوهم وبعد مليارات السنين تكونت هناك فقط أربع كرات عظيمة من المادة تحيط بها الغازات وتسمى حالياً بالكواكب الغازية وهي أربعة المشتري، زحل، أورانوس ونبتون.

وعلى الجانب الآخر القريب من الشمس فالجليد لا يمكن أن يتكون بفعل درجة الحرارة المرتفعة فإن الكواكب تتكون أساساً من الصخر، فبعد ملايين السنين استمرت الاصطدامات بين التجمعات الصخرية لتكون في الأخير أربعة كواكب صخرية وهي عطارد، الزهرة، الأرض والمريخ.

لكن لم تتشكل كل المادة التي كانت في السديم أو السحابة المادية على شكل نجم والذي هو شمسنا وإلى الكواكب الثمانية المعروفة، بل ظلت هناك الكثير من المادة والغبار الكوني في فضاء المجموعة الشمسية، كما إستمرت الملايير من الصخور المتحجرة و التكتلات الجليدية على أشكال مختلفة قد يصل قد الواحدة منها أحياناً إلى المئات من الكيلومترات في الدوران حول الشمس في مسارات مختلفة ومتعددة، وهي التي تشكل المذنبات والكويكبات التي لا تزال في دوران مطرد حول الشمس حتى اللحظة بفعل الجاذبية والقصور الذاتي.

▪نجم Étoile

تَكوُّن النجم يمر من مراحل عدة كما أسلفنا الذكر في مراحل تشكل المجموعة الشمسية، لكن بعد مليارات السنين من التكون يصبح في النهاية عبارة عن جسم مادي حيث يُشكل في بداية تكونه كل من ذرات الهيدروجين و الهيليوم مادته الخام، وتصبح وقوده الأساسي في النهاية عندما تنهار الذرات في قلب النجم لتشكل البلازما، وهي مزيج من البروتونات والنوترونات والالكترونات، وتسمى بالحالة الفيزيائية الرابعة للمادة، يبدأ الإنذماج النووي لنوى الذرات في قلب النجم بسبب الإرتفاع الهائل لدرجة الحرارة والضغط وبعد استهلاك نسبة كبيرة من الهيدروجين يقود الإنذماج النووي النوى الأخف إلى تشكيل نوى أثقل وذلك بالتسلسل، منها الكربون ثم بعدها الأزوت والأوكسجين وعقب هذه الصيرورة من الاندماجات يتم تحرير طاقة كهرومغناطيسية جد هائلة تكون أغلبها في الطيف المرئي، لكن تتم كذلك الإشعاعات في باقي الترددات غير المرئية لكن بنسبة أقل.

نجوم

▪بقايا السديم Reste du nébuleuse

بقايا السديم نقصد بها كل الأجسام المتبقية والتي لم تدخل في تشكيل الكواكب والأقمار، أي تلك المذنبات والكويكبات التي لم يُكتب لهم أن يتشكلوا على شكل كواكب عملاقة كما هو الحال مع الكواكب التي توجد في مجموعتنا الشمسية.

الكويكبات

توجد هذه الكويكبات بين كوكب المشتري وكوكب المريخ على شكل حزام كبير جدا يحتوي على الملايين من الكويكبات المختلفة الأحجام، والتي تتراوح أحجامها بين عدة أمتار وبعض الكيلومترات، ونسمي الصغيرة منها بالأحجار النيزكية والتي في دوران مستمر حول الشمس كما تفعل باقي الكواكب وتكون هذه الكواكب و الأحجار النيزكية صلبة ومتحجرة، تتكون أساساً من المعادن والصخر مثلها مثل الصخر الذي تكون منه كوكبنا.

الكويكبات بين المريخ و المشتري

يحدث في بعض الأحيان أن تصطدم الكويكبات والأحجار النيزكية فيما بينها بفعل الجاذبية الكبيرة للمشتري، حيث يؤثر من حين لآخر على إحدى الكويكبات فتتغير مساراتها مما يدفع بعضهم إلى الإصطدام فيما بينهم، الشيء الذي ينتج عنه إنقسامات وتفتتات إثر الإصطدامات العنيفة، ونتيجة لهذه الاصطدامات تسلك مخلفات هذه الاصطدام مسارات أخرى عشوائية، ويحدث أن تسلك بعض هذه الأحجار النيزكية مسارات قريبة من الأرض، الشيء الذي يجعلها تحتك في بعض الأحيان مع الغلاف الجوي للأرض، قد تمر أحياناً عبره دون أن تسقط على الأرض وتكمل مسارها في الفضاء، لكن فقدان بعض الطاقة بفعل الاحتكاك مع الغلاف الجوي للأرض يجعل هذه الأحجار النيزكية تغير مسارها، وفي أحياناً أخرى تسقط هذه الأحجار النيزكية على الأرض وتسمى بالنيزك، وأثناء مرور الحجر النيزكي عبر الغلاف الجوي للأرض تحدث إستثارة وتأين للغاز بفعل إرتفاع درجة الحرارة الناتجة عن إنضغاط الغاز في مقدمة النيزك أثناء سقوطه، وبسبب تأين وإستثارة الغاز المتواجد في الغلاف الجوي تبدأ الغازات في بعث الضوء الذي نراه على شكل شهب، ولهذا فالضوء الذي نراه أثناء سقوط الحجر النيزكي ليست خاصية ذاتية يمتلكها هو نفسه بل ذلك الضوء ينتج فقط عن إستثارة مكونات الغلاف الجوي.

شكل الحجر النيزكي عند دخوله للغلاف الجوي

• المذنبات

كما يحدث مع الكويكبات قد يحدث كذلك مع المذنبات والتي هي عبارة عن كتل من الجليد لخليط من المواد المتجمدة منها الماء، الميثان والأمونياك ومواد أخرى، تتواجد هذه المذنبات في مكانين مختلفتين الأولى تسمى “بحزام كويبر” والذي يوجد في نهاية المجموعة الشمسية ويطوقها على شكل حزام، أما المكان الثاني فيسمى “بسحابة أورت” والتي توجد على شكل سحابة تحيط بالمجموعة الشمسية ككل على شكل كرة توجد المجموعة الشمسية بداخلها، كل هذه المذنبات تدور حول الشمس في مدارات إهليجية كبيرة جداً وقد تصل الدورة الواحدة للمذنب في مساره إلى أزيد من 200 سنة تقريباً، وفي حقيقة الأمر هذه الكتل الجليدية لا تسمى بمذنبات إلا عندما يصبح لها ذيل تجره معها عند إقترابها من الشمس، أما عندما تكون بعيدة من الشمس فلا يمكن رؤيتها ولا يكون لها أي ذيل مضيء معها وتسمى فقط بكتلة من الجليد المادي.

William Crochot / Public domain
في الأعلى : حزام كويبر
في الأسفل : سحابة أورت

يظهر هذا الذيل الذي يرافق المذنب بسبب تبخر الغازات من الكتلة الجليذية للمذنب عند إقترابه من الشمس، بفعل درجة الحرارة المرتفعة، ويكون هذا الذيل دائماً في الاتجاه المعاكس للشمس وذلك بفعل الرياح الشمسية التي تجعل الغازات المتبخرة تذهب في اتجاه الرياح الشمسية، والرياح الشمسية هي الجسيمات المادية الصغيرة التي تخرج بسرعة كبيرة جدا مبتعدة من الشمس والمتكونة أساساً من الجسيمات المشحونة كالالكترونات والنوترونات والبروتونات وحتى النوترينوات.

مذنب

ويحدث أحياناً أن يمر هذا المذنب على مقربة من مسار الأرض فيُخلف ورائه وابل من الغبار والشظايا الصلبة والجليد، وما إن تصل الأرض خلال دورانها حول الشمس إلى تلك المنطقة حتى تبدأ سماء الأرض تزخر بزخات الشهب وهذا بسبب إحتكاك وإنضغاط مخلفات المذنب مع الغلاف الجوي للأرض أثناء سقوطها.

نسمي شهاب ذلك الضوء الذي يرافق ظاهرة سقوط الحجر النيزكي، أي ذلك الوميض الذي يبعته الغلاف الجوي الأرضي نتيجة إستثارة وتأين مكوناته المادية بفعل الاحتكاك والإنضغاط عندما تدخل إليه إحدى الكويكبات أو مخلفات المذنب من الغبار والجليد، وهذا ما نراه في السماء بالليل، إذ يبدو لنا وكأن إحدى النجوم تسقط بسرعة في الفضاء أو تسقط على الأرض، ولكن هذا اعتقاد خاطئ لأن الأمر لا علاقة له بسقوط النجوم أو تحركها في الفضاء بسرعة وإنما الأمر يتعلق فقط بمخلفات المذنبات أو الكويكبات أو الأحجار النيزكية التي تدخل إلى الغلاف الجوي للأرض.

▪عمر المجموعة الشمسية وعمر الأرض Âge du système solaire et de la terre

كيف إستطاع العلماء تقدير عمر المجموعة الشمسية وعمر الأرض ؟

تقريباً كل الكواكب تمت إعادة تشكيلها منذ نشأتها كما أن أغلب أسطح هذه الكواكب تغيرت بشكل غير رجعي على مدى مليارات السنين التي تلت ذلك، ولهذا لا توجد مادة كوكبية بدائية يمكن أن تسمح لنا بالعودة بالزمن إلى الوراء للحظات الأولى من تكون المجموعة الشمسية لحساب عمر هذه الأخيرة.

ولهذا تشكل النيازك القادمة من خارج الأرض مواد بدائية وخاصة فئة معينة منها تسمى ب “الكوندريت”، وهي أكثر الأجسام بدائية في المجموعة الشمسية، ويعتقد أن قلب هذه الأجسام لم يتغير كثيراً منذ اللحظات الأولى لتكون المجموعة الشمسية، ومن خلال قياس عمر هذه النيازك باستعمال التحلل الإشعاعي لبعض العناصر الكيميائية التي تتضمنها هذه الأجسام البدائية القادمة من خارج الأرض يمكننا تقدير عمر المجموعة الشمسية بدقة كبيرة جداً حيث نجد أن عمر المجموعة الشمسية هو تقريباً 4,568 مليار سنة!


James St. John / CC BY
كوندريت

ويقدر عمر أقدم الصخور على الأرض وهي شوائب بلورية صغيرة من الزركون بحوالي 4,404 مليار سنة! وهذا يترك تقريباً حوالي 150 مليون سنة على الأكثر لتشكيل كوكب الأرض .

الصورة تعود إلى نيزك “الليندي” وهو يُعد أشهر نيازك “كوندريت الكربون” التي من خلالها تم تقدير عمر المجموعة الشمسية

Jon Taylor / CC BY-SA
نيزك “الليندي”

▪خلاصة المفاهيم :

• المذنب : هو جسم يتكون من غبار ونواة جليدية يدور في مدار إهلليجي جد ممتد حول نجم معين، عندما يقترب من الشمس في حالة نظامنا الشمسي يتعرض للرياح الشمسية مما يدفع الجليد الذي يحتوي عليه إلى التبخر، الشيء الذي ينتج عنه هالة مضيئة تحيط به لأن الغازات تحدث لها إستثارة وتأين بفعل الرياح الشمسية، مما يجعل هذا المذنب يخلف ورائه ذيل طويل من الغازات والغبار قد يصل إلى عدة ملايين من الكيلومترات في الفضاء، توجد هذه المذنبات في منطقتين منفصلتين، الأولى تسمى “بحزام كويبر” والذي يوجد في نهاية المجموعة الشمسية يعني حزام يحيط بهذه الأخيرة، ومنطقة أخرى توجد على شكل سحابة كروية تحيط بالنظام الشمسي ككل تسمى “بسحابة أورت”.

• الكويكب : سمي بالكويكب لأنه عبارة عن كوكب قزم أي أنه تصغير للكوكب، فرغم أن له نفس المكونات التي تكونت منها الكواكب العملاقة كالأرض وباقي الكواكب الصخرية، إلا أن أحجام الكويكبات تصنف خارج الكواكب، تتكون الكويكبات من الصخر و المعادن والجليد حيث تتراوح أبعاد الكويكب من متر واحد إلى مئات الكيلومترات، توجد هذه الكويكبات على شكل حزام عريض بين مدار كوكب المريخ ومدار كوكب المشتري، تعتبر هذه الكويكبات بقاي الغبار الكوني الذي تكونت منه الكواكب الحالية في المجموعة الشمسية والذي لم يسعفه الحظ بأن يصبح كوكبا واحدا أو عدة كواكب أخرى بأحجام كبيرة فظلت على شكل شظايا وحطام صخري مختلف الحجم يسير في حزام حول الشمس.

• الحجر النيزكي : هو جسم يوجد ضمن المجموعة الشمسية ومصدره يكون من الكويكبات أو من أنوية المذنبات ويتراوح حجمه بين 30 ميكرومتر و1 متر، فهو يشكل مقارنة مع الكواكب و الكويكبات الغبار الموجود في المجموعة الشمسية، أما بالنسبة للأحجام الأكبر من ذلك فهي تسمى بالكويكبات. ونظرا لحجمها الصغير فإنها يتم التقاطها بفعل الجاذبية من طرف الكواكب الكبيرة أو أقمارها.

• النيزك : هو ما يتبقى من الحجر النيزكي عندما يسقط على الكواكب و النجوم، لأن الأحجار النيزكية عندما تدخل الغلاف الجوي الأرضي تبدأ بالتفتت والإحتراق بسبب الضغط والحرارة الناتجة عن سقوطه بفعل الجاذبية، وهذا قد يجعله يتفتت بالكامل قبل أن يصل إلى الأرض وفي حالة وصول جزء منه أو بعض الأجزاء نسميها بالنيازك.

• الشهاب : هي تلك الظاهرة الضوئية التي نراها ليلاً في السماء، أي هي ذلك الضوء المنبعث من الغلاف الجوي نتيجة سقوط الحجر النيزكي فيه. الشهاب نوعان الشهاب اللامع والشهاب الخافت وذلك يرتبط فقط بكتلة الحجر النيزكي الساقط والإضاءة الناتجة عنه.

  • الشهاب الخافت : هو الذي ينتج عن حجر نيزكي كتلته أقل من واحد غرام، ويتبخر كاملا في الغلاف الجوي للأرض بفعل الحرارة الناتجة عن الإحتكاك والضغط المتولد في مقدمة الحجر النيزكي بفعل سرعته الكبيرة داخل الغلاف الجوي الأرضي.
شهاب خافت
  • الشهاب اللامع : هو الذي ينتج عن حجر نيزكي تتراوح كتلته بين واحد كيلوغرام وعشرة أطنان، وقد يصل جزء منه أو بعض الأجزاء منه بعد انقسامه إلى أشلاء أثناء سقوطه أو تبخر جزء منه بفعل الحرارة، وإذا مرَّ من خلال الغلاف الجوي الأرضي دون أن يسقط على الارض مكملاً طريقه نحو الفضاء نسميه بالشهاب اللامع المُحتك.
شهاب لامع

▪خلاصة عامة :

ليست كل الشهب التي نراها في سماء الأرض ناتجة عن سقوط الأحجار النيزكية على الأرض وإنما قد تنتج فقط عن مرور هذه الأحجار النيزكية عبر الغلاف الجوي الأرضي سائرة في الفضاء دون أن تسقط على الأرض.

الشهب التي تظهر في السماء وكأنها نجم ساقط، ليست في حقيقة الأمر كذلك ولا علاقة لها بالنجوم، فهي مجرد تأين وإستثارة تحدث للغلاف الجوي الأرضي نتيجة دخول بعض الأحجار النيزكية الناتجة عن إصطدام الكويكبات في الفضاء أو مخلفات بعض المذنبات إلى الغلاف الجوي واستثارة الغازات الموجدة فيه بفعل الحرارة مما يجعلها تبدأ بالإضاءة، أما فيما يخص النجوم فهي تبعد عنا بملايين السنين الضوئية ولها أحجام كبيرة جداً، منها ما هو بحجم شمسنا ومنها ما هو أكبر من ذلك وإذا اقتربت نجمة من الأرض فإنها ستلتهمها بفعل جاذبيتها الكبيرة جداً.

ملحوظة

تجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة “الجليد” المستعملة في المقال لا تشير فقط إلى الماء وإنما تشير كذلك إلى مواد أخرى توجد على شكل جليد كالميثان وأحادي أكسيد الكربون وثنائي أوكسيد الكربون والأمونياك إضافة إلى الماء، وهذا الجليد هو الذي تتكون منه أغلب المذنبات التي تكلمنا عنها في المقال.

▪إشارة وكلمة شكر

إعتمدت في إعداد هذا المقال على ما راكمته من معارف ومعرفة بالنظريات العلمية والقوانين الفيزيائية خلال رحلتي الأكاديمية والتي كنت شغوفاً فيها بالبحث في كل ما يتعلق بالظواهر الطبيعية والكونية، وإعتمدت على الكثير من المحاضرات لعلماء ودكاترة فيزيائيين وبعض الوثائقيات والبرامج التي لها هي الأخرى مصداقية علمية، كما إعتمدت كذلك على مقالات ومصادر علمية من ضمنها ويكيبيديا النسخة الانجليزية لأنها تتضمن الكثير من المصادر الموثوقة في المحتوى الذي تضعه، كما لم أنسى إضافات وملاحظات السادة الأساتذة الذين راجعوا المقال بتفصيل.
أود أن أشكر كل الأساتذة الذين ساهموا بوقتهم الثمين لمراجعة هذا المقال وتمحيصه وأشكرهم كذلك على الملاحظات والاضافات القيِّمة التي قدموها من أجل إغناء وإثراء هذا المقال.

▪مصطلحات
Big bang : الانفجار العظيم
Comète : مذنب
Astéroïde : كويكب
Météroïde : حجر نيزك
Météorite : نيزك
Étoile filante : شهاب خافت
Bolide : شهاب لامع
Bolide rasant : شهاب لامع مُحتك
Planète : كوكب
Étoile : نجم
Ceinture de kuiper : حزام كويبر
Nuage d’Oort : سحابة أورت
Queue : ذيل
Excitation : إثارة
Ionisation : تأين
Nébuleuse : سديم
Système solaire : المجموعة الشمسية
Galaxie : مجرة
Supernova : سيبرنوفا

إعداد : شعيب المستعين

مراجعة لغوية : نادية بوحفص وخولة سطيلي.

مراجعة علمية : حسام بن كروم، إسماعيل علوي، إسماعيل بن شيخ، يوسف مولان، عبد الكريم بوسكري.


مقالات ذات صلة بالموضوع :

choaib el moustaine

Read Previous

كيف تتم صياغة مفاهيم وكميات جديدة في الفيزياء ؟

Read Next

لماذا تُستعمَل الفئران في التجارب و المختبرات ؟

One Comment

  • مزيدا من التألق و التوفيق كل مقال جديد يكون أكثر تميزا من سابقه أحسنت فأبدعت 👌

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!