جميس كلارك ماكسويل العالم و النابغة الاسكتلندي في كل من الفيزياء و الرياضيات إستطاع من خلال دراسته أبحاث وتجارب الذين سبقوه في كل من الكهروسطاتيك و المانيطوسطاتيك و الحث المغناطيسي وخاصة أعمال كل من فراداي و أمبير و كاوس … وبحكم نبوغه في الرياضيات أن يعيد تشكيل هذه القوانين في قالب جديد ، وخلال دراسته وأبحاثه لهذه القوانين وإعادة تشكيلها وتركيبها إكتشف أن هناك شيء ما ينقص إحدى المعادلات ، لاحظ أنه باستعمال معادلاته بدون الأخذ بعين الإعتبار طرف آخر سوف يعمل على إضافته لا يستطيع ايجاد مجموعة من القوانين الكهرومغناطيسية المعروفة والمثبتة تجريبيا مثل قانون انحفاظ الشحنة و بعد جهد جهيد تمكن من أن يخرج باستنتاج مفاده أنه يجب إضافة هذا الطرف حتماً الى معادلة أمبير و سماه “بتيار الإنزياح” المعادلة (9) في الصورة ، والغريب في الأمر أن البشرية حينها لم تكن لها القدرة على اثبات وجود تيار الإنزياح تجريبياً ، فظل وجوده مجرد نظرية لإيجاد التوافق مع القوانين المثبتة علميا .
ولم يتم إثبات وجود تيار الإنزياح تجريبياً إلا بعد أن تم تصميم أجهزة قادرة على إنتاج موجات بترددات عالية . و بعد أن أنهى ماكسويل أبحاته نشر نظريته في سنة 1865 على شكل عشرين معادلة تتضمن عشرين مجهولا ، و في سنة 1873 أعاد نشر مؤلف آخر حيث إختصر تلك العشرين معادلة في 8 معادلات ، وبعد ذلك بمدة قصيرة أعادة العللم هيفيزيد إعادة تلخيص الثمان معادلات في أربع معادلات فقط ، المعادلات (4,3,2,1) في الصورة ، و هو الشكل الأخير الذي إستمرت عليه المعادلات الى اليوم و هو نفس الشكل الذي نراهم به حالياً وسماهم بمعادلات ماكسويل تكريماً له على مجهوداته .
معادلات ماكسويل الأربع تختصر كل القوانين التي تحكم الظواهر المتعلقة بالكهرومغناطيسية إضافة الى قوة لورنتز كذلك ومن خلالهم فقط يمكننا أن نشرح كل الظواهر الطبيعية المتعلقة بالكهرومغناطيسية ، مكاسويل إستعمل القليل من الرياضيات في معادلاته التي سبق و أن نشرها بحكم تمكنه الجيد من الرياضيات ، و إذا به إستطاع أن يحصل على المعادلتين (11,10) في الصورة وبدا له أن هذا الشكل من المعادلات مؤلوف جداً ، بالفعل فهي كذلك إنها تشبه بالضبط معادلة الموجات الميكانيكية المعادلة (12) في الصورة و التي قد سبق للعلماء أن درسوها وفصلوا فيها جيداً وحددوا خصائصها الفيزيائية .
وهنا اندهش ماكسويل من هول ما رأته عينه يا إلهي هل يمكن أن يكون هذا صحيحاً إنها معادلة الموجة ! إذن هناك موجات تتعلق بالكهرومغناطيسية تنتشر ، ولكن إنتظر كم هي سرعة هذه الموجات ، فقام بمقارنة بسيطة بين التعبيرين ، التعبير الذي حصل عليه في كل من المعادلات (10,11) وتعبير معادلة الموجة الميكانيكية (12) ليحدد سرعة انتشار الموجات فحصل على العلاقة (13) ، فحسب قيمة السرعة فكانت المفاجأة أن وجد قيمة السرعة هي نفسها سرعة انتشار الضوء و التي كان العلماء قد حسبوا قيمتها بطرق أخرى … فصرخ مجدداً يا إلهي ما هذا الذي تراه عيناي هل يمكن أن أكون محظوظاً الى هذه الدرجة فقط من خلال استعمال القليل من الرياضيات بدأت أكتشف في ألغاز الطبيعة واحداً يتلوه الآخر !
لكن شيء ما إستوقفه فجأة ، تمهل يا مكسويل على رسلك ما هذا ! سرعة الضوء هذه التي حصلت على قيمتها للتو هي بالنسبة لأي مرجع فأنا لم أحدد أي مرجع في البداية ، فالمعادلات التي حصلت عليها لم تكن مستندة على أي مرجع غاليلي ، فلابد أن هناك شيء لا يسير بشكل صحيح !
الغريب في الأمر أنه في الموجات الميكانيكية لقبل أن نحصل على المعادلة فإننا نحدد المرجع الغاليلي الذي ندرس بالنسبة اليه الحركة و معادلة الموجة التي نحصل عليها هي من خلال تطبيق قانون نيوتن الثاني و سرعة الموجة الميكانيكية التي نحصل عليها هي بالنسبة لذلك المرجع الغاليلي الذي تم تحديده في البداية ، لكن في حالة ماكسويل فنحن لا نحتاج لا لمرجع غاليلي ولا لقانون نيوتن الثاني فكل تلك المعادلات هي مستقلة عن المرجع و لا علاقة لها بالقانون الثاني لنيوتن .
وهنا دخل العلماء في دوامة للبحث عن المرجع الذي يعطيهم سرعة الضوء هذه ، فلا يمكن أن نقول سرعة الضوء هي كذا بدون أن نقول بالنسبة لماذا هي كذا فالمرجع جد مهم لتحديد الحركة و السكون ولا يمكن أن نقول يرعة الجسم هي كذا بدون نسبتها لمرجع معين ، فنحن عندما نقول أن سرعة الصوت هي 340m/s فإننا نقصد سرعة الصوت بالنسبة للأرض أي المرجع الغاليلي الأرضي الذي تما تحديده منذ البداية قبل تطبيق قانون نيوتن الثاني .
لكن الضوء غير شكل وكانت هذه المشكلة هي أو البوادر التي ساهمت في ظهور النسبية الخاصة لأينشتاين … لكن المشكلة الأخرى التي ظهرت إلى الوجود وهي ماهو هذا الوسط الذي يحمل هذه الموجات ، لأنه كان حينها معلوم أن الموجات الميكانيكية تحتاج الى وسط مادي لتنتشر فيه وهنا ذهب بعض العلماء الى اعادة احياء فكرة الأثير ، حيث تم إفتراض أن الأثير هو مادة تملأ كل أرجاء الكون وهي مادة ساكنة لا تتحركة وهي التي تسمح للموجات الكهرومغناطيسية بالإنتشار فيها فهي إذن حامل هذه الموجات ، وقالوا كذلك أن سرعة الضوء التي يتم الحصول عليها عبر معادلات مكسويل فهي بالنسبة لهذا الأثير الساكن الذي يَعُم كل أرجاء الكون .
و انطلق العلماء يحددون في الخصائص الفيزيائية لهذا الأثير و الغريب أن ما إفترضوه من خصائص كان غريب جداً ، كان معلوم حينها أن الصوت ينتشر بسرعة أكبر في الأوساط الصلبة وبما أن الضوء يسير بسرعة جد كبيرة تصل تقريباً الى 300000 كيلومتر في الثانية فيجب على هذا الوسط ان يكون أكثر صلابة من أي مادة توجد على الأرض ، وهنا سقطوا في تناقض آخر فكيف للكواكب أن تسبح في هذا الوسط دون أن يعرقل حركتها فلو كان هذا الأثير بهذه الصلابة لتوقفت الكواكب عن السير فيه بفعل الأحتكاكات القوية معه .
وهنا جاءت الفرضية الأكثر غرابة أن هذا الوسط رغم صلابته القوية جداً إلا أنه يستطيع أن يتخلل المادة دون أي مشكلة ولا يقاوم حركتها … المهم كانت فرضيات كارثية ساهمت في تأخر الفيزياء أكثر مما ساهمت في تقدمها ، الأهم أن بعض العلماء قرورا كشف الستار عن هذه المادة لتحديد وجودها من عدمها ، وكلكم تعلمون بتجربة ميكلسون ومورلي و الذين حاولوا جاهدين إكتشاف هذا الأثير باستعمال قانون اضافيات السرعات حيث سوف يتم تحديد وجود الأثير انطلاقاً من سرعة الضوء و سرعة الارض في دورانها حول الشمس لكن بدون جدوى كل النتائج كانت سلبية ورغم ذلك فهم لم يستطيعوا أن يستنتجوا أن الأثير لا وجود له بل شككوا في التجربة وقالوا أن هناك شيء لا يسير بالطريقة التي نريدها ،كان إيمانهم قوي بما قاله العلماء و كان كذلك إيمانهم قوي بوجود هذا الأثير .
وهنا تدخل العم إينشطاين وقال لهم ياجمعة العلماء ما تبحثون عنه غير موجود ، إِنكم ما تتبعُونَ إِلَّا الظَّنّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلّا تَخْرُصون فهذا الأثير الذي تتبجحون به ليس إلا وهم ولا وجود له في الأصل ، وكتب ورقة بحثية عدم فيه وجود الأثير وقال لهم تعالوا إتفقوا معي على شيئين إثنين وسوف أفسر لكم كل المعضلات التي وقفت في وجه تقدم الفيزياء :
**أولاً لا وجود لشيء إسمه الأثير و الموجات الكهرومغناطيسية لا تحتاج الى وسط لتنتشر فيه بل هي عبارة عن تذبذب متغير لكل من الحقلين الكهربائي و المغناكيسي في الفراغ فيخلق أحدهما الأخر عبر التذبذب في الفراغ وهكذا يتم انتشاره بسرعة c وهذا هو الضوء .
**و ثانياً سرعة الضوء c لا ترتبط بأي مرجع فهي نفسها في جميع المراجع سواء الغاليلية وغير الغاليلية وسواء كان مصدر الضوء متحرك او ثابت فالسرعة هي نفسها ولا تخضع لقانون اضافية السرعات لغاليلية .
ثم إنطلق إينشطاين في تفصيل نظريته …. لكن لا يجب أن ننسى أنه كانت أعمال أخرى للعالم الرياضي لورنتز والتي مهدت كذلك لنظرية النسبية الخاصة ، حيث إستطاع لورنتز باستعمال الرياضيات من تحديد معادلة تمدد الزمن و تقلص الأطوال رياضياً دون أن يعطي لذلك أي تفسير فيزيائي ، فكان الغرض من هذه المعادلات هو محاولة للتوفيق بين الكهرومغناطيسية و ميكانيك نيوتن ليصحح بعض التناقضات التي ظهرت للوجود على إثر مشكل المراجع وهذا يحتاج منا الى مقال آخر للتفصيل فيه .
تيار الإنزياح : Le courant de déplacement
تحرير : شعيب المستعين Choaib El Moustaine
إقرأ أيضا
لماذا يتبخر الماء عند جميع درجات الحرارة وليس فقط عند 100 درجة سيليسيوس ؟
- 2019-12-30
كيف ساهمت معادلات ماكسويل في ظهور نظرية النسبية الخاصة؟
- 2019-12-21
الآن يستطيع عقلك أن يستوعب معنى المسافة الزمكانية ؟
- 2019-12-17
لماذا نرى دخاناً يخرج من فمنا عندما يكون الجو جد بارد ؟
- 2019-12-15
هل يمكن للصواريخ أن تتسارع في الفضاء الخالي من المادة ؟
- 2019-12-07
لماذا توجد إشارة الناقص في طاقة جهد الجاذبية Ep و هل من معنى فيزيائي لها ؟
- 2019-11-09
القانون الأول لنيوتن : ماذا يقول مبدأ القصور ؟
- 2019-10-22
الفرق بين المرجع الغاليلي المثالي والمرجع الغاليلي التقريبي ؟ : الجزء الثاني
- 2019-10-12