الشروق | الظهيرة | الغروب |
شاهدت بعضا من مقاطع الفيديوهات على “اليوتيوب” تشرح سبب اللون الأزرق الذي يُميز السماء، ولكن للأسف رأيت بعض المغالطات في فهم الظاهرة وخاصة فيما يتعلق بمعنى “التشتت” الخاص بهذه الظاهرة، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذا المقال حتى نرفع اللبس ونوضح كالعادة بالتفاصيل مكامن الخلل في الفهم والشرح.
كانت أغلب الرسومات والتوضيحات تُبين أن الأشعة القادمة من الشمس تصطدم بطريقة ميكانيكية مع الجزيئات والجسيمات ثم ترتد منتشرة في كل الاتجاهات بطريقة عشوائية، ولكن في حقيقة الأمر، ليس هذا هو التشتت المقصود في ما نسميه ب “تشتت رايلي”، الصورة بالأسفل مأخوذة من أحد الفيديوات والتي تُصور معنى التشتت لكن بطريقة خاطئة.
“تشتت رايلي” يقول بأن الالكترونات التي تُشكل الذرات والجزيئات في الغلاف الجوي المحيط بالأرض تحدُث لها حركة متذبذبة ميكانيكية بفعل القوة الكهرومغناطيسية الناتجة عن المجال الكهرومغناطيسي للأشعة الضوئية القادمة من الشمس، وبما أن الإلكترونات مرتبطة بالذرة بطريقة مرنة فإنها تبدأ بالتذبذب بطريقة مُتسارعة حول مركز توازن الشحنة بين الالكترون والنواة، وعندما يحدث هذا الارتجاج أو الاستثارة الناتجة عن أشعة الشمس تبدأ هي الأخرى ببعث إشعاعات كهرومغناطيسية أخرى ناتجة عن حركتها الميكانيكية داخل الذرة، ويكون في غالب الأمر هذا التشتت مُتمركز بشدة حول الأشعة البنفسجية والزرقاء، وبما أن عين الانسان حساسة بشدة للون الأزرق فإن السماء تبدو لنا زرقاء.
هذا التفسير بطبيعة الحال مبني على نموذج كلاسيكي يُسمى بنموذج درود، ويعطي هذا النموذج الطاقة الكهرومغناطيسية التي يبعثها الإلكترون في كل ثانية حسب العلاقة التالية :
P = σ.I₀.(ω⁴/(ω₀² – ω²)²) (1)
حيث إن ω هو نبض الموجة الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس والتي تقوم بتهييج إلكترونات الذرات و ω₀ هو النبض الخاص بالالكترون عندما يبدأ بالتذبذب، يمكنك تخيل تذبذب الالكترون حول النواة ككتلة مشدودة بنابض إلى طرف حامل وتتذبذب عندما نقوم بتمديد النابض أنظر الصورة أسفله.
مع أن I₀ هي شدة الموجة الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس و σ ثابتة لها وحدة المساحة وتسمى بالمساحة الفعالة للإلكترون.
وبما أن في المجال المرئي لدينا :
ω₀² >> ω²
يمكننا إذن تبسيط العلاقة (1) إلى العلاقة التالية :
P = σ.I₀.(ω⁴/ω₀⁴) (2)
ومنه نلاحظ أن الطاقة التي يبعثها الالكترون في كل ثانية متناسبة طردياً مع نبض الموجة القادمة من الشمس ω⁴، إذن يمكن أن نختزل العلاقة (2) الى العلاقة :
P = K.ω⁴ (3)
نعلم أن :
ω/ω₀ = λ₀/λ
ومنه فإن العلاقة (3) تصبح :
P = k/λ⁴
يمكن أن نوضح كيف يتم توزيع هذا التشتت لأشعة الضوء من طرف مكونات الغلاف الجوي بدلالة طول الموجات القادمة من الشمس في المبيان التالي:
ومن خلال المبيان يتبين أن اللون الأزرق والبنفسجي هو الأكثر تشتتاً في الغلاف الجوي.
نعطي هنا رتبة قدر النبض لكل من الأشعة الزرقاء والحمراء :
ω(rouge) = 3,75 10¹⁴ rad/s
ω(bleu) = 7,50 10¹⁴ rad/s
لكن مع الأس الذي يساوي 4 :
ω⁴(rouge) = 195,75 10⁵⁶ rad/s
ω⁴(bleu) = 3164,0 10⁵⁶ rad/s
إذن :
ω⁴(bleu) = 16.ω⁴(rouge)
ومنه نستنتج أن نبض الأشعة الزرقاء يساوي تقريباً 16 مرة نبض الأشعة الحمراء، إذن فالطاقة التي ستُشتتها الذرات والجزيئات سوف تكون مُتمركزة حول الأزرق والبنفسجي، لأن شدة الضوء في اللون الأزرق والبنفسجي سوف تكون هي الأكبر، وبما أن العين حساسة بشدة للون الأزرق فلهذا السبب تبدو السماء زرقاء اللون.
▪ حسناً لماذا تبدو إذن السماء زرقاء عند الغروب والشروق؟
نبض ثنائي القطب الكهربائي الخاص المُشكل من الالكترون والنواة أو ما نسميه بنبض الرنين ω₀ هو النبض الذي يكون فيه وسع ذبذبات الالكترون بالنسبة للنواة قصوي، ويوجد هذا النبض تقريباً في مجال الأشعة فوق البنفسجية، وبما أن الأشعة الزرقاء والبنفسجية هي الأقرب إلى نبض الرنين فإنها هي من تقوم بتهييج الالكترونات أكثر، وهذا ما يجعل الذرات والجزيئات تمتص أغلب هذه الأشعة القادمة من الشمس وتكتسب بذلك تسارع ميكانيكي يجعلها تتذبذب ثم بعد ذلك تُعيد فقدان طاقتها الميكانيكية بالإشعاع، لكن هذا الاشعاع يكون بنفس تردد الموجات التي جعلته يتذبذب أي أن أغلب الموجات التي يشع بها ثنائي القطب الكهربائي هي معظمها زرقاء وبنفسجية، عندما تقوم هذه الذرات والجزيئات بالاشعاع فإنها تُشتته في كل الاتجاهات، ولهذا نقول أنها تُشتت الضوء، وليس الضوء القادم من الشمس وإنما تُشتت الضوء الذي تنتجه هي نتيجة فقدانها للطاقة الميكانيكية.
في منتصف النهار تكون الشمس تقريباً فوق رؤوسنا ولهذا فإن الأشعة القادمة من الشمس تقطع مسافة قصيرة نسبياً عبر الغلاف الجوي للأرض، لكن أثناء الغروب والشروق تكون المسافة التي يجب أن يقطعها الضوء داخل الغلاف الجوي القادم من الشمس طويلة، ولهذا فعندما يستمر ضوء الشمس في السير لمسافة طويلة في الغلاف الجوي يتم إمتصاص أغلب أشعته الزرقاء والبنفسجية من طرف مكونات الغلاف الجوي، مما يجعل أن أغلب الاشعة المُتبقية بعد الامتصاص هي أشعة حمراء، ولهذا السبب تبدو السماء تطغى عليها حُمرة عند الغروب والشروق، لأن أغلب الاشعة الأخرى تم إمتصاصها من طرف الغلاف الجوي الذي أعاد تشتيتها في السماء ككل.
▪ لماذا يبدو البحر أزرق ؟
لون البحر هو انعكاس للون السماء، فحتى عند الغروب مثلا يبدو البحر من الجهة التي تغرب فيها الشمس أحمراً لأنه يعكس لون السماء الحمراء فوقه، البحر يتميز بلون أزرق رائع لا لشيء فقط لأنه كالمرآة يعكس لون السماء.
▪ خلاصة
تشتت رايلي للجزيئات والذرات التي تُكوِّن الغلاف الجوي يُفسر بنموذج درود، والذي يَعتَبر أن الإلكترون مشدود بطريقة مرنة حول نواة الذرة، ومنه فإن النواة والإلكترون يشكلان معاً ثنائي قطب كهربائي أثناء تأثير الموجات الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس، وعندما يخترق المجال الكهرومغناطيسي القادم من الشمس ذو النبض ω الذرة، يتكون ثنائي القطب الكهربائي بين الإلكترون ونواة الذرة والذي له هو الآخر النبض الخاص ω₀ الذي يظهر في العلاقة السابقة، فيبدأ ثنائي القطب الكهربائي هذا بالتذبذب حول مركز شحنتيهما، وأثناء هذا التذبذب يبدأ في إشعاع طاقة كهرومغناطيسية تتناسب طردياً مع طاقة الموجة الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس، وهذا الإشعاع الذي تشع به إلكترونات الذرات هو ما يسمى ب “تشتت رايلي”.
▪ مصطلحات
Module de Drûde : نموذج درود
Diffusion de Rayleigh : تشتت رايلي
Section éfficace : المساحة الفعالة
Ordre de grandeur : رتبة قدر
Pulsation de résonance : نبض الرنين
إعداد : شعيب المستعين.
المراجعة اللغوية : نادية بوحفص وعبد الباسط أباتراب.
One Comment
Thanks, you made it clear.