الحقيقة بين الرياضيات والاكتشافات العلمية!
ظل أينشتاين متشبث لفترة من الزمن بعدم ديناميكية الكون، فرغم كل ما تميز به من نبوغ ورغم كل ما قدمه من نظريات عظيمة، إلا أنه فضل التشبث بفرضية أن الكون ساكن لا يتحرك و لا يتمدد، فعوض أن يصدق ما كانت تبوح به معادلاته الرياضية التي لا تعرف إلا الصدق، أرغمها على قول ما يعتقده بوضع تابث كوني حتى تنسجم مع فرضية سكون الكون.
لكن الحدس البشري لا يكون دائماً متوافق مع الحقيقة العلمية، وظل ما وضع أينشتاين صحيح، حتى أتى اليوم الذي سوف يكتشف فيه تيلسكوب هابل أن المجرات تبدو وكأنها تبعث بضوء يميل الى الأحمر، وهذا غير ممكن إلا إذا كانت المجرات تبتعد عنا بسرعة هائلة، فأخبر بذلك المجتمع العلمي باكتشافه العظيم، ثم أتى بعدها أينشتاين الى التيليسكوب ليتأكد بنفسه أنه فعلا كان مخطئ بشأن فرضيته حول عدم التمدد الكوني المتسارع.
فصرح بعد ذلك أينشتاين أن معادلاته كانت تقول الحقيقة لكن عقله لم يكن يستوعب أن تكون تلك فعلاً حقيقة واقعة، فقد إضطر الى تكذيب المعادلات الرياضية ليصدق ما يمليه عليه عقله، فعدَّل معادلاته بوضع ثابت كوني لتنسجم مع ما إفترضه منذ البداية لكنه حتماً كان مُخطئ.
الحقيقة لا توجد داخل عقل الإنسان بل هي مجردة عنه، أحياناً يفلح عقل العالم في توقع الحقيقة بناء على عدة معطيات وتجارب علمية وافتراضات، وأحياناً أخرى لا، فلا يوجد عقل بشري يملك الحقيقة المطلقة بل عقول العلماء جمعاء تشكل عقلاً واحداً متكاملاً، فتكمل بذلك بعضها بعضاً لتسير نحو إكتشاف لغز هذا الكون العجيب و الغريب الذي طالما أثار فضول البشرية عبر مر العصور ، و الإنسان هو الكائن الوحيد من بين كل الكائنات الحية الذي صمم منذ الوهلة الأولى التي أدرك فيها هذا الكون على أن لا يتركه قبل أن يعلم بسر وجوده وبسر هذا الوعي و الإدراك هو الآخر فيه.
اعداد : شعيب المستعين
مراجعة لغوية : نادية بوحفص